صفه ابن خلدون في مقدمته وهو بصدد الحديث عن علم الكيمياء فقال: "إمام المدونين فيها جابر بن حيان، حتى إنهم يخصونها به فيسمونها (علم جابر)، وله فيها سبعون رسالة" .
إنه أبو موسى جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي، نسبة إلى قبيلة أزد اليمنية التي هاجر البعض منها إلى الكوفة بعد انهيار سد مأرب. وُلِدَ في (طوس)، واستقرَّ في بغداد بعد قيام الدولة العباسية، وتوثقت علاقته بأسرة البرامكة الفارسية، وامتدت حياته ما بين (103- 200هـ/ 721- 815م) .
يُعَدُّ مؤسِّس علم الكيمياء التجريبي؛ فهو أول من استخلص معلوماته الكيميائية من خلال التجارب والاستقراء والاستنتاج العلمي، وكان غزير الإنتاج والاكتشافات، حتى إن الكيمياء اقترنت باسمه فقالوا: (كيمياء جابر)، و(الكيمياء لجابر)، وكذلك: (صنعة جابر). كما أُطلق عليه أيضًا:
(شيخ الكيميائيين)، و(أبو الكيمياء).
فقبل جابر كان هناك مجموعة من المهن البدائية القديمة، وقد اختلطت مع كثير من الحرف، كالتحنيط (في مصر القديمة) والدِّباغة، والصباغة والتعدين واستخلاص الزيوت، لكن جابر بن حيان استطاع أن يطوِّر الكيمياء ويرفعها من تلك المنزلة البدائية التي كانت عليها إلى منزلة عالية، وذلك بإضافته للكثير من المعارف النظرية والعلمية، وإرسائه أسسَ وأصولَ تحضير المواد الكيميائية والتعامل معها؛ لذلك يُعتَبَر ابنُ حيان شيخ الكيميائيين بلا منازع .
فقد بدأت الكيمياء - كما أوضحنا في المقال الأول في الكيمياء - خرافية تستند إلى الأساطير البالية، حيث سيطرت فكرة تحويل المعادن الرخيصة إلى معادن نفيسة؛ وذلك لأن العلماء في حضارات ما قبل الإسلام كانوا يعتقدون أن المعادن المنطرقة مثل الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص والقصدير من نوع واحد، وأن تباينها نابع من الحرارة والبرودة والجفاف والرطوبة الكامنة فيها، وهي أعراض متغيرة (نسبة إلى نظرية العناصر الأربعة: النار والهواء والماء والتراب)؛ لذا يمكن تحويل هذه المعادن من بعضها البعض بواسطة مادة ثالثة وهي الإكسير. ومن هذا المنطلق تخيل بعض علماء الحضارات السابقة للحضارة الإسلامية أنه بالإمكان ابتكار إكسير الحياة أو حجر الحكمة الذي يزيل علل الحياة ويطيل العمر ، وهذا ما كان يُسَمَّى بعلم الخيمياء.
وقد تأثَّر بعض العلماء العرب والمسلمين الأوائل كجابر بن حيان وأبي بكر الرازي بنظرية العناصر الأربعة التي ورثها علماء العرب والمسلمين عن اليونان، لكنهما قاما بدراسة علمية دقيقة لها؛ أدَّت هذه الدراسة إلى وضع المنهج العلمي التجريبي وتطبيقه في حقل العلوم التجريبية.
وعن هذا المنهج التجريبي كان يقول جابر: "ومِلاك كمال هذه الصنعة العمل والتجربة؛ فمن لم يعمل ولم يجرِّب لم يظفر بشيء أبدًا" .