بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا ولد المسيح عيسى عليه السلام بدون أب؟
خاطرة للدكتور عثمان جيلان معجمي حول أسرة ال عمران
لقد ذكر الله في كتابه الكريم قصة مولودة , وضعتها أمها أنثى , بينما كانت أمها قبل مولدها وأهلها يتمنون أن تكون ذكرا , وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم , وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم , فكان الخير كله في مولد هذه الأنثى , على أهلها , وعلى البشرية جمعاء إلى يوم القيامة , إنها مريم ابنة عمران عليها السلام .
فعندما تأكدت امرأة عمران أنها أصبحت حاملا , نذرت ما في بطنها لله , ليكون خادما لكنيسة بيت المقدس , ومحررا من خدمة والديه و ذويه , ظنا منها أن ما في بطنها سيكون ذكرا , فقد كان في عرفهم كما جاء في تفسير ابن كثير , أن من يخدم كنيسة بيت المقدس , يكون عادة ذكرا , لان الأنثى تحيض فتنجس, فلا يحق لها الدخول إلى الكنيسة وهي حائض نجسة , و لابد أن يكون خادم الكنيسة محررا للخدمة , حبيسا عليها , فلا يتزوج ولا ينتفع به في أمور الدنيا , ويكون هذا الخادم للكنيسة ذكرا , قال الله تعالى : إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) آل عمران . جاء في تفسير ابن كثير , أن امرأة عمران هذه كانت امرأة لا تحمل، فرأت يوما طائرًا يَزُقُّ فرخه ، فاشتهت الولد، فدعت الله، عز وجل ، أن يهبها ولدا، فاستجاب الله دعاءها، فواقعها زوجها، فحملت منه ، فلما تحققت الحمل نذرته أن يكون { مُحَرَّرًا } أي: خالصا مفرغا للعبادة، ولخدمة بيت المقدس حبيسا عليه ، لا يتزوج ولا ينشغل بأي أمر من أمور الدنيا , ولما كان ما في بطنها نذرا وهدية لله , تقبل الله نذرها وهديتها وجعلها أنثى , اختار الله أن تكون هديته من امرأة عمران أنثى , سواء كان النذر قبل تكوينها أنثى أو بعد ذلك , فالله تعالى علام الغيوب , يعلم أن امرأة عمران ستنذر ما في بطنها له سبحانه , فقد علم الله مسبقا من إبليس انه سيعصي أمر السجود لآدم عليه السلام , وهو الذي اخبر عيسى وموسى عليهما السلام انه سيكون احمد نبيا مرسلا فسبحان الله علام الغيوب , وهو سبحانه قد علم المستقدمين منا والمستأخرين , و في الآيات السابقة جاء قوله تعالى : فتقبلها ربها بقبول حسن , والحرف فاء في كلمة فتقبلها تدل على السرعة , سرعة الإجابة والقبول من الله تعالى , لماذا ؟ لأنها امرأة عمران التقية الصالحة , وإنما يتقبل الله من المتقين , وبما أن الله تعالى تقبلها محررة خادمة لبيت المقدس , فسيجعلها كذلك , رغم أنها أنثى , وسيطهرها من الطمث فلا تأتيها الدورة الشهرية , لتبقى خادمة في الكنيسة , قانتة عابدة في المحراب , فكانت كذلك قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)) سورة آل عمران , وقد جاء في التفاسير أن المقصود من كلمة طهرك : أي طهرها من الطمث لتتفرغ للعبادة , خادمة محررة في كنيسة بيت المقدس .
و الآن , دعونا نقف , نتلمس العبر والمواعظ , في قصة هذه المرأة الطاهرة الصالحة , امرأة عمران عليها السلام , التي اصطفاها الله على نساء العالمين . هذا أول جنين تحمله في بطنها , جاء بعد انتظار طويل , وتمر الأيام , ويموت زوجها عمران عليه السلام , لتعيش وحيدة , ولتكون في أمس الحاجة إلى هذا الجنين , ليؤنس وحدتها , ويعينها على متاعب الحياة , خاصة أنها قد بلغت سنا متأخرة , وعلى شفا الضعف , الذي يحتاج إلى مساعد ومعين , وفي ظل هذه الظروف , تتخلى هذه المرأة الصالحة , عن ما في بطنها , وتنذره لله , ليكون في خدمة الله , وآثرت الله على نفسها , تقربا إليه , وثقة به , وتوكلا عليه , وحبا له , وهذا يمثل أعلى درجات حب الله , والتعلق به , والاعتماد عليه , فقد قال موسى عليه السلام , كلا إن معي ربي سيهدين , في لحظة كان فرعون وجنوده خلفه , والبحر أمامه , وقالها نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم , وهو في الغار , إذ يقول لصاحبه لا تحزن , إن الله معنا , في لحظة كان الكفار حول الغار , وقالها إبراهيم عليه السلام من قبل , وهو يلقى في النار عندما قال لجبريل عليه السلام أما حاجتي إليك فلا وإنما حاجتي إلى الله , فجعل الله النار بردا وسلاما على إبراهيم عليه السلام , وهكذا المقربون , دائما متعلقين بالله , واثقين به , متوكلين عليه , في كل الأحوال , وفي أحلك الظروف .
وتمر الأيام , وتضع امرأة عمران ما في بطنها , وهي تنتظر أن يكون ذكرا , لتهديه إلى بيت المقدس , وتفي بنذرها , فإذا بها تضع أنثى , و هنا نقف وقفة تأمل , ففي ظل آلام المخاض , والضعف الذي يصاحب تلك اللحظات , آلام شديدة , ونزيف يضعف الجسم , لحظات تنسي الوالدة نفسها , وكل ما حولها , في نفس تلك اللحظات , تنظر الوالدة إلى مولودها , فإذا هو أنثى , وكل والدة عندما تعلم أن مولودها أنثى , يشتد فرحها بالأنثى , فعادة الرجل , أن يحب المولود الذكر , و عادة المرأة , أن تحب المولودة الأنثى , والآن زوجة عمران , تضع مولودة أنثى , وتدب فيها مشاعر الفرح , بعد آلام المخاض الشديدة , لحظات , تختلط فيها الآلام بالأفراح , والماسي بالسعادة , في هذه اللحظات , لم تنس امرأة عمران ربها , ومباشرة , تقوم بمخاطبة ربها ,تأنس به , تعتذر إليه بان وضعتها أنثى , والله اعلم بما وضعت ,وهو سبحانه وتعالى الذي جعلها أنثى , وتستأذن منه لتفرح بما أعطاها , انه التعلق بالله , وذكره في كل الأوقات والظروف , ولا ينبئك مثل خبير , فنحن الأطباء أكثر الناس معرفة بتلك الأحوال بعد معرفة الوالدات , وما يعتري الوالدة عند ولادتها , وقد سجل الله ذلك المشهد (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) ) سورة آل عمران , والفاء في حرف فلما , تدل على السرعة , أي بمجرد أن وضعتها , قامت تخاطب ربها , وتأنس به , وتعتذر إليه , أن وضعتها أنثى , وتستأذنه في أن تفرح بهذه المولودة وتقول لربها بلسان حالها , أنت يا رب من جعلها أنثى , ووددت لو كان ذكرا , ليقوم بخدمة بيت المقدس , كانت تود لو أنها كانت ذكرا , ليكتمل نذرها , وتظل طول حياة مولودها داخل الكنيسة محررا , أما هذه الأنثى , فستخرج من الكنيسة يوما عندما تبلغ رشدها وتحيض , وربما تزوجت فلا تصلح بعد ذلك فلا تصلح بعد الحيض والزواج لخدمة الكنيسة , فأخذت امرأة عمران تدعو لمولودتها بالذرية الصالحة , دعت لها ولذريتها أن يعيذهم الله من الشيطان الرجيم , اكبر عدو مبين , لم تدع لهذه المولودة بالرزق أو بالصحة , أو النجاة من شرور البشر, فالله هو الرزاق ذو القوة المتين , وهو الشافي , وهو خير حافظا وهو ارحم الراحمين , وإنما يأتي الخطر من الشيطان , العدو المبين للإنسان , عدو يراك من حيث لا تراه , عدو تسلط على الإنسان , وبإذن من الله , فقد أذن الله للشيطان ورخص له أن يغوي البشر , بكل ما أوتي من الوسائل الطرق , إلا عباد الله المخلصين , الذين يدركون أن الحياة الدنيا قصيرة جدا , والحياة الحقيقية هي الحياة الأخرى , ومن خسر الآخرة خسر حياته الحقيقية (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) سورة العنكبوت (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) ) سورة الفجر , و لذلك اختارت امرأة عمران دعاءا , يضمن لابنتها وذريتها السعادة في الحياة الحقيقية الأبدية , الحياة الأخرى, فإذا عصمهم الله من الشيطان , كانوا من عباد الله المخلصين , نعم , لأن من يعصمه الله من الشيطان , يكون من عباد الله المخلصين , الذين استثناهم الله تعالى بقوله (إن عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)) سورة الحجر و استثناهم الشيطان (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)) سورة الحجر , وكأن زوجة عمران تدعو الله بطريقة غير مباشرة , فدعاءها لابنتها بأن يعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم , معنى ذلك الدعاء بأن يجعل ابنتها وذريتها من الصالحين والأنبياء المعصومين , الذين يوحى إليهم , واستجاب الله لها , فكانت الملائكة تخاطب ابنتها مريم , وتأتي إليها بالرزق من الطعام والفواكه , وجعل ذريتها من الأنبياء المعصومين , فقد ولدت مريم مولودا هو عيسى عليه السلام , نبيا ورسولا معصوما من الشيطان الرجيم .
إذن , امرأة عمران دعت ربها مرتين , المرة الأولى أثناء حملها , دعت الله أن يتقبل ما في بطنها , نذرا محررا لخدمة بيت المقدس , فتقبل الله نذرها , وسيجعل هذا المولود خادما محررا لبيت المقدس , والله لا يخلف الميعاد , ثم دعت الله مرة أخرى , عندما وضعتها أنثى , فدعت لهذه الأنثى أن يجعل الله لها الذرية , و يعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم , وقد تقبل الله دعائها الثاني , فتعالوا معي لنشرح كيف تم تقبل الله للأمرين , النذر والدعاء .
لكي يكون الأمر الأول وهو النذر, متقبلا وتكون المولودة الأنثى خادمة لكنيسة بيت المقدس طول حياتها, لابد أن يجعلها الله طاهرة من الحيض طول حياتها , فلا يأتيها الطمث , وأن لا تتزوج أبدا , وإذا حققت هذين الشرطين , ستبقى خادمة في كنيسة بيت المقدس طول حياتها . وإذا تقبل الله الدعاء الثاني بالذرية , فلا بد أن يأتيها الطمث , لتتكون البويضة , وتكون صالحة للحمل , ولابد أن تتزوج , لتحمل من زوجها , وفي هذه الحالة , لا يجوز لها البقاء في الكنيسة , لوجود الطمث الذي يجعلها نجسة , ولوجود الزوج الذي يخل بشرط بقائها في الكنيسة , فالخادم المحرر للكنيسة لا يجوز له أن يتجوز . ما هو الحل إذن ؟
لكي يستجاب الدعائيين في آن واحد , لابد أن تكون المولودة طاهرة من الطمث , وأن لا تتزوج , وتحمل بدون طمث و بدون زوج , إذا حدث ذلك , يكون قد استجاب الله الدعاءين لتلك المرأة الصالحة زوجة عمران , ويصبح من حق مريم عليها السلام البقاء في الكنيسة , بطهارة وذرية , وهذا الحل لا يقدر عليه إلا الله , الذي يأتي بالأسباب الخارقة للعادة , فهو سبحانه الذي يدبر الأمر , وهو عليه هين يقول للشيء كن فيكون ,وهذا ما حدث ,لقد استجاب الله دعاء أم مريم , و جعل الله مريم طاهرة , لا يأتيها الطمث ( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) ) سورة آل عمران , وكلمة طهرك , أي طهرك من نجاسة الطمث ,فلا يأتيك الحيض , وبدون أن تتزوج , جعل الله لها ذرية , ممثلة في عيسى عليه السلام , فأرسل الله إليها الملائكة , تبشرها بعيسى عليه السلام (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)) سورة آل عمران , فأرسل الله إليها ملكا ليهب لها غلاما زكيا , وبدون زوج (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) ) سورة مريم وتحققت إجابة الدعاءين , طهارة من الطمث وذرية معصومة بدون زوج , وولد بدون أب , وبقيت مريم في كنيسة بيت المقدس خادمة محررة ومع ابنها عيسى عليه السلام ,نذر متقبل وولد بدون أب , استجابة لدعاء المرأة الصالحة زوجة عمران وأم مريم عليها السلام , فسبحان الله الغالب على أمره , العزيز الحكيم .
إذن , استجاب الله دعاء المرأة الصالحة زوجة عمران , وجمع لها بين قبول نذرها , واستجابة دعائها لابنتها بالذرية والعصمة من الشيطان , فكانت ابنتها مريم عليها السلام ,الطاهرة المطهرة , وابن ابنتها المسيح عيسى عليه السلام , بدون أب , الذي يخلق من الطين كهيئة الطير فيكون طائرا بإذن الله , ويبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله , ويحيي الموتى بإذن الله , ويكلم الناس في المهد وكهلا , ورفعه الله إليه , فهو حي الآن , وسينزل قبل يوم القيامة مرة أخرى .
وهناك فائدة أخرى , نقتطفها من ثنايا ذلك الدعاء , فقد دعت الله لمولودتها , أن يعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم , وقد استجاب الله تعالى ذلك الدعاء ولولا أن عيسى عليه السلام لم يتزوج , لاستمرت ذريته من المخلصين الأنبياء من بني إسرائيل إلى يوم القيامة , ولكن الله قطع ذرية عيسى عليه السلام , فلم يتزوج وانقطع النسل , نسل النبوة في بني إسرائيل , إيذانا بانتقال النبوة إلى بني إسماعيل , ممثلة بخاتم الأنبياء والمرسلين , محمد صلى الله عليه الصلاة السلام , الذي بشر به عيسى عليه السلام , ليسدل الستار على النبوة والرسل إلى يوم الدين , ومع ذلك فقد استمرت ذرية مريم إلى يوم القيامة بطريقة غير مباشرة , وذلك بوجود ابنها عيسى عليه السلام حيا رفعه الله إليه , وسينزل يوم القيامة , ليعتنق الإسلام , ويدخل هو وقومه في دين التوحيد .
وكذلك الحال في زكريا عليه السلام , والذي كان متزوجا على خالة مريم , فهو زوج خالتها ويحق له أن يكفلها , زكريا عليه السلام دعا , ربه أن يهبه الولد , ليرث النبوة في آل يعقوب , (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) 9 سورة مريم فاستجاب الله له (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) ) سورة مريم , ولكنها كانت إجابة مشروطة بشرط معين (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) ) , سيهبه الله نبيا من الصالحين , ولكن بشرط أن يحي سيكون حصورا لا ينجب , إيذانا بانتهاء النبوة في بني إسرائيل , وانتقالها إلى محمد صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين وانتظارا لساعة الصفر , ساعة النفخ في الصور وقيام الساعة .
هل عرفتم الآن لماذا كان لابد ان يولد المسيح عيسى عليه السلام بدون أب ؟